طالعتنا حكومة الدولة المغربية كعادتها بقراراتها السوريالة , والتي تذهب إلى قمع حرية الإنسان وتكبيله . هذه المرة , وليس هذا جديدا , فقط قامت بما يشبهه في السابق كثيرا , طردت مواطني دول أجنبية من أراضيها بحجة التبشير , بمعنى نشر المسيحية . طبعا , فالتهمة من اللازم تلوينها حتى تتفادى الدولة الإحراج أمام المجتمع الدولي , وهي ممارسة أنشطة خارج القانون المسموح به ...
زعزعة عقيدة المسلمين وإيمانهم , المس بالأمن الروحي للمواطنين .. وتهم أخرى مفصلة على المقاس ذاته دائما ما يجدها المواطن المغربي أمامه قبل أن تنزل عصاها على الأجانب أحيانا . من الأكيد أن النظام القمعي المغربي يلجأ لمثل هذه الممارسة لأسباب لا يعرفها إلا هو والراسخون في مواقعهم القريبة من القصر . فاللجوء إلى هذه القرارات طبعا لا يمكن أن يكون بدون ضوء أخضر من أعلى سلطة سياسية في البلاد .
ثمة أسباب كثيرة ربما تكون وراء قرار طرد الأجانب بتهمة التبشير , أولها استقطاب تأييد الرأي العام ودعمه الكامل لموقف النظام في وقت عصيب جدا تمر منه السلطة السياسية التي فشلت على مستويات عديدة , نذكر منها أزمة الفياضانات وسجن الصحافيين المتتالي وإضرابات قطاعات عديدة وانتفاضات في أماكن مختلفة ترتفع أصواتها احتجاجا ... وليس بعيدا أن يكون النقاش الدستوري حول الصلاحيات ألقى بظلاله على سلوك الدولة , في إشارة إلى حشد الإجماع الوطني على استمرار الملك أميرا للمؤمنين , وهو ما يترجمه تصريح أحد المسؤولين في حزب العدالة والتنمية الإسلامي مباشرة بعد طرد الأجانب بأن الحزب متفق تماما مع سيادة الملك وتحكمه الكامل في السلطة , وهو موقف غريب نسبيا بالنسبة للمتتبعين للواقع السياسي المغربي .
إذن , فحشد الإجماع الوطني للنظام السياسي المغربي أي بمعنى الإلتفاف حول القصر الملكي حامي الملة والدين كان من الأسباب الرئيسة لهذا الطرد . إن دغدغة الشعور الوطني باللجوء إلى هذه الخدعة الدينية سيرمم بعض الشيء الصورة السوداء التي وصلت إليها إنجازات النظام الملكي المغربي .
مسألة أخرى تظهر هنا أيضا , وهي تحويل التركيز الشعبي نحو أمور جانبية عن طريق خلق مشاكل جديدة تغطي المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الدولة . وهذه خطط معروفة جدا في التاريخ السياسي المحلي والعالمي , وتكرر نفسها باستمرار بصيغ مختلفة .
وحتى نعود إلى المشكلة المفتعلة من طرف النظام المغربي ضد الأجانب , نشير إلى أن محاكمة أشخاص محاكمات صورية أو عقابهم بغض النظر عن شكل العقوبات التي تصل أحيانا للسجن بالنسبة للمغاربة وليس فقط الترحيل , بسبب تهمة فارغة تشبه إلى حد كبير قانون " كل ما من شأنه " يعتبر مساسا سافرا بحرية الإنسان في العقيدة والتعبير .
إن المغاربة في الغرب لا يتم ترحيلهم من الدول الأجنبية بتهمة التسليم أو الحديث عن الإسلام مع مواطني الدول الغربية . فالمسلم المغربي له كامل الحرية في الغرب أن يتحدث عن الإسلام كيفما شاء ما دام لا يدعو للقتل , بل ويؤسسون جمعيات إسلامية في دول مسيحية تدافع عن الإسلام وتنشره في إطار حوار الأديان . فلماذا لا تطرد الدول الأوربية المغاربة المسلمين بسبب لحية أو حجاب في الشارع بتهمة المساس بالأمن الروحي للمسيحيين ؟
لماذا يعتبر المغاربة والنظام المغربي مطالب اليمين المتطرف في إيطاليا وفرنسا وهولندا وبلجيكا بالأمور العنصرية , بينما هم أول من يمارس العنصرية ؟ أليست مطالب اليمين المتطرف بطرد المسلمين من أوربا أرحم بكثير من الطرد المباشر من طرف المخزن للمسيحيين من المغرب بدون ادنى احترام لحرية الإنسان في العقيدة والتعبير عن أفكاره بكل حرية ؟ لماذا لا نعتبر المسلمين المغاربة أيضا تهديدا للأمن الروحي في البلدان المسيحية ؟
يتحجج النظام المغربي أنه لم يطردهم لأنهم مسيحيين , بل لأنهم يتحدثون عن المسيحية مع أطفال خارج القوانين المعمول بها . أولا , إن قوانين سيادة السيد الحاكم لا تمس فقط الأطفال , بل تعاقب كل من يتحدث عن المسيحية أو عن أي دين آخر حتى ولو كان الخطاب موجها لشيخ . ثانيا , وهذا هو الأهم : إن قوانين الحاكم تلك كالكثير من قوانينه الركيكة هي لتكريس الديكتاتورية والعبودية والإستغلال والتفقير الشعبي وينبغي تغييرها .
إنه ليس كل ديكتاتوري يضع قانونا في بلده يخرق حقوق الإنسان هو يؤسس لدولة الحق والقانون كما يعرفها النظام الملكي المغربي . ما العيب في أن يعبر مسيحي أو حتى بوذي عن معتقداته للناس ؟ علما أن كل المسلمين بإمكانهم ذلك في العالم الغربي ما داموا لا يدعون للقتل . بل إن أكبر الإرهابيين الإسلاميين كانوا يعيشون ويعبرون عن أرائهم المتطرفة في لندن وأمريكا هاربين من دولهم قبل أحداث سبتمبر .
يحاول النظام تغطية الشمس بالغربال بالقول أنهم مارسوا التبشير مع أطفال صغار , وهذا أمر غير مفهوم تماما . وكأن المسيحي الذي يتبنى إبنا مغربيا عليه أن يحفظ القرآن وأحاديث البخاري حتى يتمكن من تربية ذلك الولد دينيا ؟؟؟ إنه من الطبيعي جدا , أن يكلمه عن الدين المسيحي الذي يؤمن به , من العادي جدا , أن يحدثه في المساء قبل النوم عن معجزات المسيح وأصحابه كما كانت تحكي لي جدتي قبل النوم حكايات سيف علي الذي يستطيع أن يقسم شجرة بضربة واحدة .
ثم ألم تكن تعرف الدولة أن هؤلاء الأطفال هم في تماس مع مسيحيين يسهرون عليهم ويحمونهم من التشرد والضياع ؟؟ بخلاصة , إن الجريمة الحقيقية للنظام المغربي هي عدم قدرتها على توفير أدنى وسائل العيش لهؤلاء الأطفال الذين هم عرضة للتشرد والضياع والجوع والأمية , بدل العزف على أوتار مقطوعة بدعوى أنها توفر لهؤلاء الصغار الفقراء الأمن الروحي . وبكل عفوية سيجيبك هؤلاء الأطفال بأنفسهم أنهم بحاجة إلى الخبز والدواء وليس إلى تفاهات مبررات الدولة بغطاء الأمن الروحي .
مضحك وغريب أمر الدولة , لم تحرك ولو قيد أنملة قراراتها وترساناتها ضد الذين يهتكون أمننا الإقتصادي بسرقة أموال الشعب , لم تتحرك ضد من ينتهكون أمننا الجسدي , هؤلاء المنتشرون في كل الشوارع بسكاكينهم ومخذراتهم , لم تتحرك لحماية أمننا الغذائي ضد الإرتفاعات الصاروخية للأسعار في بلد يعاني من البطالة والفقر ... بينما تنتفض مثل طاووس كلما استيقظت من النوم لتحفظ أمننا الروحي وتعود للنوم من جديد ...
ثم باختصار شديد , أمننا الروحي هو أن يكف عنا الملك أتباعه وموظفوه الذين ينهشوننا مثل الكلاب كل يوم , مهددين إيانا بسياراتهم المرعبة التي كتب عليها بالأحمر : الأمن الوطني .
الخميس مارس 25, 2010 11:08 pm